منذ تأسيس مجلس الأمن عام 1945، ظلّ يوصف بأنه الضمير السياسي للعالم، لكنه في الواقع يعكس ميزان قوى مختلّ يميل بشدة نحو خمس دول دائمة العضوية—بينما تقف القارة الأفريقية، التي تضم 54 دولة وأكثر من مليار نسمة، على الهامش بلا مقعد دائم ولا حق نقض.
ورغم أن أكثر من 70%من اجتماعات و50%من قرارات المجلس خلال العقدين الأخيرين تعلّقت بأزمات أفريقية، فإن القارة لم تُستشر في معظمها.لقد أصبحت إفريقيا حاضرة في جدول الأعمال…وغائبة عن غرفة القرار.
لكنّ هذا الغياب لم يمنع بعض الدول من ترك بصمة خلال عضويتها غير الدائمة:
النيجر، مثلًا، استخدمت موقعها لتسليط الضوء على قضايا الإرهاب والتنمية في الساحل، وجنوب إفريقيا قادت نقاشات حول علاقة المناخ بالأمن.ومع ذلك، تبقى هذه المحاولات محدودة أمام هيمنة“الخماسي الكبار”الذين يحتكرون صياغة القرارات وحق الفيتو، وهو ما يجعل الدور الإفريقي أقرب إلى“المشاركة الرمزية”.
في الميدان، تكشف ثلاث حالات كبرى—السودان، الكونغو الديمقراطية، وليبيا—عن حدود فاعلية المجلس في إفريقيا:
في السودان، شلّ الفيتو الروسي أي محاولة لفرض وقف لإطلاق النار، فبقي النزاع مشتعلاً رغم المأساة الإنسانية.
في الكونغو الديمقراطية، أنهى المجلس واحدة من أكبر بعثاته الأممية رغم تحذيرات من فراغ أمني قاتل.
أما في ليبيا، فتحوّل الملف إلى ساحة تجاذب بين موسكو، باريس، أنقرة، وواشنطن، ما جعل قرارات المجلس تدور في حلقة“تجديد التفويضات دون حلول”.
وفي ميدان مكافحة الإرهاب، أنشأت إفريقيا قوات إقليمية مثل“قوة الساحل الخمس”، لكن مجلس الأمن لم يمنحها تمويلًا كافيًا أو تفويضًا حقيقيًا، فانهارت تدريجيًا، تاركة فراغًا ملأته قوى خارجية مثل روسيا ومرتزقة“فاغنر”.
أما العقوبات الأممية، فرغم كونها أداة ضغط مشروعة، فإنها كثيرًا ما طُبّقت بانتقائية واضحة:تُفرض بسرعة على دول إفريقية ضعيفة، بينما تُجمّد ضد قوى كبرى أو حلفائها.النتيجة أن الشعوب تدفع الثمن، لا الحكومات المستهدفة.
ومع تصاعد التنافس بين واشنطن، بكين، وموسكو على النفوذ في القارة، باتت إفريقيا ورقة تفاوض في صفقات الكبار.
الصين تستخدم حق النقض لحماية حلفائها الأفارقة، وروسيا تساوم بدعمها السياسي مقابل أصوات إفريقية في قضايا أوكرانيا، بينما الغرب يسعى لاستمالة القارة بوعود“الإصلاح والدعم التنموي”.
اليوم، تدفع دول القارة نحو إصلاح شامل لمجلس الأمن استنادًا إلى ما يعرف بـإجماع إيزولويني(Ezulwini Consensus)،
الذي يطالب بمنح إفريقيا مقعدين دائمين و5 مقاعد غير دائمة إضافية.
لكن الملف لا يزال عالقًا بين وعود الإصلاح وصمت الدول الدائمة العضوية، التي ترفض تقاسم الامتياز التاريخي الذي منحته لنفسها منذ 80 عامًا.
✳️ الخلاصة:
إفريقيا لا تطلب صدقة سياسية بل استحقاقًا تاريخيًا.
تمثيلها العادل في مجلس الأمن ليس مطلبًا قاريًا فقط، بل ضرورة أخلاقية لضمان شرعية النظام الدولي في القرن الحادي والعشرين.
فطالما بقيت القارة في“مقعد الانتظار”، سيظل السلام العالمي ناقصًا والعدالة عرجاء.
📩 للاطّلاع على الفيديو وقراءة الورقة التحليلية الكاملة، يُرجى التمرير إلى الأسفل.
أفريقيا في مقعد الانتظار: عدالة مفقودة في مجلس الأمن الدولي
حين يُصوّت العالم على إفريقيا… دون أن تكون إفريقيا في القاعة، فالعالم كله يخسر صوته الأخلاقي.

التعليقات