بعد ثلاث سنوات على اندلاع حرب أوكرانيا، لم تعد أوروبا كما كانت.فالقارة التي بنت هويتها على السلام والاندماج الاقتصادي تجد نفسها اليوم أمام تحوّل أمني غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة.الدراسة تُظهر أن الحرب لم تغيّر شكل العلاقة مع روسيا فقط، بل أعادت رسم بنية الاتحاد الأوروبي نفسه، من الموازنات العسكرية إلى السياسات الخارجية، ومن قواعد الطاقة إلى المزاج الشعبي.
أول التحولات ظهر في الإنفاق الدفاعي.فقد قفزت ميزانيات الدفاع في دول الاتحاد الأوروبي إلى أعلى مستوياتها في نصف قرن.
في 2021، كان متوسط الإنفاق الأوروبي 1.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي، لكنه ارتفع إلى 1.9٪ في 2024، مع توقعات بتجاوزه 2.1٪ في 2025.كما تشير البيانات إلى أن الاتحاد أضاف خلال 2021–2024 ما يقارب 125 مليار يورو إنفاقًا إضافيًا على الدفاع.
هذا ليس مجرد تطوّر عابر، بل إعادة صياغة كاملة لأولويات القارة.
مع بداية الحرب، تعهّدت أوروبا بتزويد أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية عيار 155 ملم خلال عام واحد.لكن بحلول مارس 2024، لم تستطع تسليم سوى 52٪ فقط من العدد المستهدف.
ألمانيا وفرنسا والبرتغال وباقي الدول اعترفت بأن الطاقة الإنتاجية للصناعات الدفاعية الأوروبية ليست جاهزة لسباق استنزاف طويل، وأن خطوط الإنتاج تحتاج لسنوات لتلبي الطلب العسكري الجديد.
النتيجة؟ الفجوة بين طموح الاتحاد وقدرته الفعلية ما زالت كبيرة.
في موازاة ذلك، قدّم الاتحاد عبر“مرفق السلام الأوروبي”مساعدات عسكرية تتجاوز 6 مليارات يورو، ودرب أكثر من 40 ألف جندي أوكراني بحلول منتصف 2024.هذه الأرقام تعكس حجم التغيير:أوروبا التي كانت تتردد في إرسال خوذة أو سترة واقية، أصبحت تقدم دبابات وأنظمة دفاع جوي وتشارك في تدريب قوات على خطوط النار.
لكن خلف هذا المشهد هناك انقسام أوروبي حاد.
دول الشرق—بولندا، ليتوانيا، إستونيا—ترى روسيا تهديدًا وجوديًا، وتدعو إلى تسليح أوكرانيا بلا حدود.أما دول الغرب—ألمانيا، فرنسا، إيطاليا—فتوازن بين دعم كييف وحماية استقرارها الداخلي، خاصة بعد أن رفع التضخم وأسعار الطاقة كلفة الحرب على المواطنين.
على صعيد الطاقة، تلقّت أوروبا صدمة استراتيجية.
قبل الحرب، كانت تستورد من روسيا أكثر من 40٪ من الغاز الأوروبي.
لكن بحلول 2024، انخفض الاعتماد إلى أقل من 10٪، مع استثمارات ضخمة في الغاز المسال والبنى التحتية البديلة.ورغم أن هذا التحول حرر أوروبا من ابتزاز موسكو، إلا أنه جعلها أكثر اعتمادًا على الغاز الأمريكي المكلف، وهو ما رفع فاتورة الطاقة وعزز السخط الشعبي.
وانعكست الحرب أيضًا على المزاج العام.
ففي ألمانيا تحديدًا، تراجعت نسبة تأييد زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا من 65٪ في 2022 إلى 49٪ في 2024.وشهدت عدة دول صعودًا للأحزاب الشعبوية الرافضة للإنفاق العسكري وللسياسات الأوروبية الموحدة.
هذا التغير الشعبي يضغط اليوم على صانعي القرار ويجعل استمرار المسار الأمني الجديد مهمة معقدة.
ورغم كل هذا التحول، لا تزال أوروبا تعتمد بشكل شبه كامل على الولايات المتحدة في الركائز الأساسية:
المعلومات الاستخباراتية، الدفاع الجوي، الردع النووي، اللوجستيات، وأنظمة القيادة والسيطرة.
حتى انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو كان نتيجة مخاوف وجودية، وليس رؤية أوروبية مستقلة.
الدراسة تخلص إلى أن أوروبا تقف في منتصف الطريق:
ليست قوة دفاعية موحدة، لكنها لم تعد قارة تعتمد فقط على الدبلوماسية.ليست مستقلة عن واشنطن، لكنها لم تعد مترددة كما في السابق.
إنها مرحلة انتقالية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مرحلة تختبر فيها القارة قدرتها على التحول من“مشروع سلام”إلى“قوة جيوسياسية”قادرة على حماية نفسها.
للاطّلاع على الفيديو وقراءة الورقة التحليلية الكاملة، يُرجى التمرير إلى الأسفل.
هل أصبحت أوروبا بعد ثلاث سنوات حرب قوة عسكرية… أم مجرد قارة منقسمة؟
أوروبا تغيّرت… لكن السؤال الأخطر:هل تغيّرت بما يكفي؟

التعليقات