لم يكن التقارب الأخير بين روسيا وكوريا الشمالية حدثًا دبلوماسيًا عابرًا، بل نتيجة مباشرة لتحولات عميقة فرضتها الحرب والعقوبات الدولية.فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، وجدت موسكو نفسها أمام استنزاف عسكري متواصل وضغوط متزايدة على سلاسل الإمداد، ما دفعها للبحث عن مصادر دعم خارج الأطر التقليدية.
في المقابل، رأت بيونغ يانغ في هذا الظرف فرصة نادرة لتحويل عزلتها الطويلة إلى مكسب عملي.فالدولة التي تعاني من حصار اقتصادي مزمن تمتلك فائضًا من الذخائر التقليدية، بينما تحتاج إلى دعم سياسي وتقني واقتصادي يعزز قدرتها على الصمود.وهكذا تشكّل تقارب قائم على تبادل احتياجات مباشر، لا على شعارات أيديولوجية.
هذا التعاون بلغ ذروته في يونيو 2024 مع توقيع معاهدة شراكة استراتيجية شاملة تتضمن بندًا للدفاع المشترك، ما يشير إلى انتقال العلاقة من تنسيق ميداني إلى تحالف سياسي–أمني طويل الأمد.وتشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية أرسلت ملايين القذائف المدفعية إلى روسيا منذ 2023، وهو ما يفسر قدرة موسكو على الحفاظ على كثافة القتال رغم القيود المفروضة عليها.
الأثر الأوسع لهذا التقارب لا يقتصر على ساحة واحدة.فهو يربط أمن أوروبا بشرق آسيا، ويدفع الولايات المتحدة وحلفاءها إلى تعزيز التنسيق العسكري وفرض عقوبات إضافية، ما يوسّع دوائر التوتر بدل احتوائها.والأهم أن هذا النموذج يكشف عن شكل جديد من التحالفات الدولية:شراكات مرنة بين دول معاقَبة تحوّل الضغط إلى تعاون عملي، وتجعل إدارة الصراعات أكثر تعقيدًا وأقل قابلية للضبط.
في المحصلة، لا يعيد هذا التقارب العالم إلى الحرب الباردة بصيغتها القديمة، لكنه يؤشر إلى مرحلة تتآكل فيها فعالية العقوبات الأحادية، وتبرز فيها تحالفات قائمة على الضرورة لا القناعة، ما يغيّر قواعد الردع والتوازن في النظام الدولي المعاصر.
للاطّلاع على الفيديو وقراءة الورقة التحليلية الكاملة، يُرجى التمرير إلى الأسفل

التعليقات