الغلاء العالمي: لماذا يدفع المواطن العربي الثمن مضاعفًا؟

ليس الخطر في غلاء اليوم… بل في أن نعتاد عليه غدًا.

الغلاء العالمي: لماذا يدفع المواطن العربي الثمن مضاعفًا؟

يشهد المواطن العربي واحدة من أصعب الأزمات المعيشية في تاريخه الحديث.فبينما سجّل التضخم العالمي ذروته عند نحو 8.7٪ عام 2022، تجاوزت المنطقة العربية هذا المستوى ليصل متوسط التضخم فيها إلى ضعف المعدل العالمي في بعض الدول.لم تكن المشكلة في الأسعار فقط، بل في الأساس الهشّ الذي وقفت عليه اقتصادات تعتمد على الواردات، وتعاني من انهيارات حادة في سعر الصرف، وضعف الأجور، وغياب شبكات الحماية الاجتماعية.

خلال السنوات الأخيرة، تراجعت القيمة الشرائية لدخل المواطن العربي بشكل غير مسبوق؛ فالأجور لم تواكب ارتفاع الأسعار، واكتفت بالجمود بينما ازدادت كلفة الغذاء والطاقة بنسب وصلت في بعض الدول إلى عدة أضعاف منذ 2019.فقد قفزت أسعار الغذاء عربيًا بنحو 29٪ عام 2022، ووصلت معدلات الفقر في الدول الهشّة إلى أكثر من 50٪ عام 2023.ومع كل هذه الضغوط، جاء انهيار العملات ليضاعف الأزمة:فقد فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 98٪ من قيمتها، وقفز التضخم السنوي في البلاد إلى مستويات تخطّت 186٪، بينما عاشت مصر والسودان تقلبات مشابهة رفعت كلفة المعيشة إلى أرقام قياسية.

ترافق ذلك مع سلوكيات احتكارية رفعت الأسعار بأكثر مما تبرره التكاليف.ففي المغرب—على سبيل المثال—كشف تقرير رسمي عام 2025 أن سلاسل التوزيع ضاعفت هوامش أرباحها خلال ذروة الأزمة، حيث ارتفع هامش ربح موزعي الحليب من 10٪ عام 2021 إلى 22٪ عام 2023، وهي زيادة تفوق بكثير ارتفاع تكلفة الإنتاج.وفي مصر والأردن ظهرت موجات مماثلة من رفع الأسعار دون مسوغ اقتصادي مباشر، ما عزز شعور المواطن بأن جزءًا من التضخم سببه“جشع الشركات”، لا الظروف العالمية فقط.

ثم جاءت حرب أوكرانيا لتكشف هشاشة الأمن الغذائي العربي:أكثر من 80٪ من واردات القمح المصري كانت تأتي من روسيا وأوكرانيا قبل الحرب، وارتفاع أسعار الحبوب عالميًا بنحو 60٪ انعكس مباشرة على أسعار الخبز في لبنان وتونس واليمن ومصر.انهار المخزون، وتضاعفت فاتورة الاستيراد، وارتفع عدد المهددين بانعدام الأمن الغذائي إلى واحد من كل خمسة أفراد في الدول النامية بالمنطقة.

لم تكن سياسات البنوك المركزية العربية قادرة على احتواء الأزمة.فرفع الفائدة لم يكن مناسبًا لاقتصادات تعاني من تضخم ناجم عن صدمات في العرض وليس زيادة في الطلب.وفي دول مثل مصر وتونس والأردن، ارتفعت كلفة الاقتراض بينما ظل التضخم مرتفعًا، لتزداد أعباء المواطنين والشركات دون فائدة واضحة.أما في لبنان والسودان، فقد كانت السياسات النقدية شبه عاجزة أمام انهيار مالي شامل.

وسط هذا المشهد، أعادت الدول العربية النظر في سياسات الدعم.دول مثل مصر وتونس والمغرب اضطرّت إلى تقليص دعم الوقود والغذاء، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار المحلية في وقت حرج.وفي المقابل، استثمرت دول الخليج فوائضها النفطية لتوسيع الدعم النقدي المباشر، فخفَّفت نسبيًا من أثر الغلاء على مواطنيها.لكن معظم دول المنطقة بقيت أمام معادلة صعبة:أسعار عالمية ترتفع، وعجز مالي يمنع التوسع في الدعم، واقتصاد هشّ غير قادر على امتصاص الصدمات.

تثبت الأزمة اليوم أنها ليست موجة عابرة بل اختبار وجودي للاقتصاد العربي.فمزيج الاعتماد على الواردات، وضعف الإنتاج المحلي، وهشاشة سلاسل الإمداد، وتراجع القوة الشرائية، وتآكل الطبقة الوسطى، كلّها مؤشرات تنذر بمرحلة جديدة قد يصبح فيها غلاء الأسعار“طبيعيًا”إن لم تُنفَّذ إصلاحات حقيقية.وتشير تجارب السنوات الأخيرة إلى أن الحل يتطلب إعادة بناء نموذج اقتصادي أكثر مناعة، من خلال تعزيز الأمن الغذائي، وتنويع الاقتصاد، وتحسين شبكات الأمان الاجتماعي، وفرض رقابة صارمة تمنع الاحتكار واستغلال الأزمات.

لقد وصلت الأزمة إلى عمق الحياة اليومية للمواطن العربي، وهددت استقرار الطبقات الوسطى، ودفعت ملايين نحو الفقر.وبينما تتحرك بعض الحكومات نحو إصلاحات طويلة المدى، يبقى التحدي الأهم اليوم هو سرعة اتخاذ إجراءات تحمي معيشة الناس قبل أن يصبح الغلاء واقعًا دائمًا لا يمكن التراجع عنه.

للاطّلاع على الفيديو وقراءة الورقة التحليلية الكاملة، يُرجى التمرير إلى الأسفل.
 

الوسائط والمرفقات

الفيديوهات (1)
التحميلات
الغلاء العالمي في 2025- لماذا يدفع المواطن العربي الثمن مضاعفًا؟.pdf
361.1 KB