تدخل المعيشة في الدول العربية عام 2025 مرحلة غير مسبوقة من الضغط اليومي على الأسر، حيث لم يعد الغلاء مجرّد أرقام على المؤشرات، بل أصبح مشهدًا معيشياً خانقًا يعيد رسم علاقة المواطن بالسكن والعمل والدولة نفسها.فالتضخم العالمي، ضعف السياسات، وتحوّلات الأسواق ضربت مجتمعةً أساسيات الحياة:الإيجار، الرواتب، الأمن الوظيفي، والقدرة على التكيّف.
أكبر صدمة بدأت من السكن:في مدن عربية عديدة باتت الأسر تنفق 40–50٪ من دخلها على الإيجار وحده، أضعاف ما يُعدّ عالميًا"حدًا آمنًا".مصر مثال صارخ:في القاهرة الجديدة والمناطق المجاورة، قفزت الأسعار بأكثر من 100٪ خلال عام واحد، فيما ارتفعت الإيجارات بنسبة 22–18٪ في 2023 وحده، لتتحوّل الشقق المتوسطة إلى عبء لا يحتمله الشباب.أما في دبي فارتفعت الإيجارات بنحو 27٪ كمعدل عام، مع مناطق فاخرة تجاوزت 40٪.
ترافق ذلك مع موجة إقليمية من العمل الهشّ:الاقتصاد الرقمي ومنصّات التوصيل والعمل بالقطعة وفّروا فرصًا…لكنها دون حماية.اليوم، نحو 64٪ من العمالة العربية تعمل خارج القطاع الرسمي، بلا تأمين ولا ضمانات.حتى في الخليج، حيث الأجور أعلى، شهدت منصّات التوصيل احتجاجات بعد ارتفاع أسعار الوقود، بينما لم ترتفع الرواتب بنفس سرعة الأسعار.في مصر، رغم رفع الحد الأدنى إلى 4000 جنيه، بقيت القوة الشرائية أقل مما كانت عليه قبل التضخم.
وبينما كان يمكن للتقنية أن تخفف من عبء المعيشة، تكشف الدراسة اتساع الفجوة الرقمية:رغم وصول الإنترنت إلى 70٪ من سكان المنطقة، لا يزال ملايين خارج الاقتصاد الرقمي.النساء العربيات أقل استخدامًا للإنترنت بنحو 18٪ مقارنة بالرجال، فيما تظل دول مثل اليمن وسوريا وجيبوتي دون 30٪ نفاذ.هذا يعني أن شرائح واسعة محرومة من فرص العمل المرن والتمويل الرقمي والتعليم عن بُعد—وهي الأدوات التي خففت الغلاء في دول أخرى.
الوجه الأكثر قسوة يظهر في الدول الأكثر هشاشة:
لبنان، السودان، اليمن.
هنا لم يعد الغلاء أزمة اقتصادية…بل أزمة وجودية.
ففي لبنان فقدت الليرة أكثر من 98٪ من قيمتها، وقفز تضخم الغذاء أكثر من 11 ضعفًا خلال سنتين، ليتحوّل أكثر من 80٪ من اللبنانيين إلى فقراء.
السودان شهد تضخمًا تجاوز 360٪ قبل الحرب، ثم تضاعفت أسعار الغذاء بأكثر من 700٪ بعد اندلاع القتال.
واليمن يعيش أسوأ أزمة إنسانية عالميًا، مع أكثر من 80٪ من السكان تحت خط الفقر، وتضخم غذائي تجاوز 400٪.
وترى الدراسة أن هذه الأزمات ليست منفصلة، بل مترابطة:السكن يتأثر بسوق العمل، والعمل يتأثر بالرقمنة، والغلاء يرتبط بمدى قدرة الدولة على توفير شبكات أمان.وحين تنهار الدولة—كما في لبنان والسودان واليمن—لا يعود التضخم رقمًا، بل يصبح معركة يومية للبقاء.
الخلاصة:
المعيشة العربية في 2025 ليست أزمة مؤقتة، بل تحوّل بنيوي عميق يطال الاقتصاد والمجتمع معاً.وإذا لم تُعالج جذور اقتصاد السكن، وهشاشة الوظائف، والفجوة الرقمية، وانهيار الدولة في بعض البلدان، فإن المنطقة قد تتجه نحو اتساع الفقر، تقلّص الطبقة الوسطى، وتمزّق العقد الاجتماعي.
للاطّلاع على الفيديو وقراءة الورقة التحليلية الكاملة، يُرجى التمرير إلى الأسفل.
المعيشة في الدول العربية: سكنٌ لا يُطاق… ووظائف بلا أمان
حين يصبح الإيجار حلمًا، والوظيفة وهمًا، والدولة غائبة… يتحوّل الغلاء من رقم اقتصادي إلى قصة مجتمع كامل يبحث عن النجاة.

التعليقات