الأمن والهجرة: "الشروط الخفيّة" في اتفاقيات أوروبا

حين تتحوّل الحدود إلى سلاح، يصبح العبور فعلًا سياسيًا… لا مسارًا إنسانيًا.

الأمن والهجرة: "الشروط الخفيّة" في اتفاقيات أوروبا

تحوّلت الهجرة خلال العقد الأخير من ملف إنساني إلى أداة سياسية واقتصادية مركزية تعيد عبرها أوروبا تعريف علاقاتها مع الجنوب.فمنذ 2015، تغيّر المنطق الذي حكم الشراكات الأوروبية:لم يعد التعاون يعني التنمية أو دعم الاستقرار، بل أصبح مشروطًا بمنع المهاجرين من الوصول إلى الشواطئ الأوروبية.
وهكذا وُلدت معادلة جديدة:"المال مقابل المنع".

هذا التحوّل لم يأتِ من قرار واحد، بل من سلسلة عوامل متراكبة:تصاعد اليمين الأوروبي، تضخم سوق تكنولوجيا المراقبة، الأزمات المتتالية في الجوار، والضغط الانتخابي داخل أوروبا.النتيجة؟ شبكة معقدة من السياسات التي تجعل الهجرة شرطًا غير معلَن في كل حزمة دعم أو اتفاق اقتصادي.

أولًا:كيف تغيّر منطق التعاون الأوروبي؟
بعد أن تجاوز عدد طالبي اللجوء في أوروبا 1.2 مليون شخص عام 2015، ومع وصول أكثر من 82 ألف مهاجر عبر المتوسط في النصف الأول من 2023، اتجهت أوروبا إلى فكرة“الأمن أولًا”.

تم إنشاء صناديق ضخمة مثل“الصندوق الائتماني من أجل أفريقيا”بقيمة 5 مليارات يورو، لكن معظمها صُرف على ضبط الحدود بدل تمويل التنمية.


ثانيًا:الشروط الخفية—المساعدات مقابل المنع
أصبحت المعونات الأوروبية تُمنح وفق شرط غير مكتوب:
“أوقفوا المهاجرين…تحصلون على المال.”

مثال واضح:
صفقة الاتحاد الأوروبي–تونس عام 2023، حيث حصلت تونس على حزمة تتجاوز مليار يورو، منها 105 ملايين مباشرة لضبط الحدود.

لكن التحوّل الأعمق لم يكن ماليًا فقط؛ بل تقنيًا.
فالدول الشريكة تُشجَّع على اعتماد أنظمة مراقبة بيومترية وتسجيل بيانات المهاجرين لصالح أنظمة أوروبية، ما يعني عمليًا تصدير السيطرة الرقمية خارج حدود الاتحاد.

ثالثًا:تصدير الحدود—أوروبا تحرس نفسها من الخارج
طبّقت أوروبا نموذج“الحدود الممتدة”:
الدفع المالي للدول المجاورة كي تقوم بمهام الاعتراض والمنع نيابة عنها.

أبرز مثال:اتفاقية أوروبا–تركيا عام 2016.
قبل الاتفاق وصل نحو 861 ألف مهاجر إلى اليونان.
بعده بعام، انخفض العدد إلى 36 ألفًا فقط.

أما ليبيا، فبدعم أوروبي مباشر، أعادت قوات خفر السواحل هناك أكثر من 82 ألف مهاجر بين 2017 و2021، وسط ظروف وصفتها المنظمات الحقوقية بأنها“جحيمية”.

هكذا أصبحت حدود أوروبا الفعلية تمتد من بحر إيجه إلى الصحراء الليبية وإفريقيا غربًا.

رابعًا:اقتصاد الابتزاز—من يضغط على من؟
المعادلة اليوم معقّدة:
أوروبا تبتزّ الجنوب بالمال، والجنوب يبتزّ أوروبا بورقة الهجرة.

–أوروبا تربط التأشيرات والمساعدات بالتعاون الأمني
–والدول الشريكة تلوّح بفتح الحدود عند الحاجة

تركيا فعلتها علنًا عام 2020.
المغرب فعلها عام 2021 حين عبر 8,000 مهاجر إلى سبتة في يومين.

بهذا تحوّل التعاون إلى علاقة قصيرة الأجل، تُبنى على المساومة لا على الشراكة.

خامسًا:حقوق الإنسان…الضحية الصامتة
تشير التحقيقات إلى أنّ أكثر من 40 ألف طالب لجوء تم صدّهم بشكل غير قانوني خلال 2020–2021، ما أدى إلى وفاة ما لا يقل عن 2,000 شخص.
وفي ليبيا، حيث تُعاد القوارب بتمويل أوروبي، تستمر الانتهاكات دون رقابة حقيقية.

ورغم أن الاتحاد الأوروبي يرفع شعار“حماية الحقوق”، إلا أن التطبيق العملي يظهر أن حماية الحدود باتت أولوية تتقدم على حماية البشر.

سادسًا:صعود اليمين—من أزمة مؤقتة إلى سياسة دائمـة
منذ 2015، حقق اليمين المتطرف صعودًا غير مسبوق في أوروبا، ما جعل الحكومات تخشى فقدان الناخبين إن لم تتخذ مواقف صارمة تجاه الهجرة.
هذا الصعود رسّخ سياسات كانت مؤقتة، وحوّلها إلى نهج مؤسسي دائم تُبنى على أساسه علاقات أوروبا مع جيرانها.

سابعًا:كيف يرى الجنوب هذه السياسات؟
في إفريقيا والشرق الأوسط، يُنظر إلى هذه الاتفاقيات باعتبارها إملاءات لا شراكات.
يرى كثيرون أنها تُحوِّل دول الجنوب إلى"حراس حدود"لأوروبا مقابل مساعدات لا تغيّر واقع البطالة والفقر.

ترفض بعض الأصوات هذا الدور، معتبرة أن أوروبا تركز على المنع بدل معالجة جذور الهجرة:
الأزمات الاقتصادية، الحروب، غياب الفرص، والتغير المناخي.

خاتمة مكثّفة
الهجرة لم تعد قضية حدودية، بل أصبحت أداة استراتيجية تحدد شكل العلاقة بين أوروبا والجنوب.
لكن هذا النهج القائم على“الأمن أولًا”قد يحقق مكاسب انتخابية قصيرة، بينما يخسر على المدى الطويل:
القيم، الثقة، والاستقرار الحقيقي.

للاطّلاع على الفيديو وقراءة الورقة التحليلية الكاملة، يُرجى التمرير إلى الأسفل.
 

الوسائط والمرفقات

الفيديوهات (1)
التحميلات
الأمن والهجرة-الشروط الخفيّة في اتفاقيات أوروبا.pdf
369.3 KB