اقتصاد المنصّات والعمل الحر عبر الإنترنت يبدو في ظاهره مساحة للحرية والطموح، لكنه في عمقه يعيد تشكيل علاقة الإنسان بالعمل بطريقة معقّدة تمزج بين الإغراء الرقمي والاستغلال الناعم.لقد قدم هذا النوع من الاقتصاد فرصة لملايين البشر، لكنه بالمقابل خلق طبقة ضخمة من العمّال غير المرئيين الذين يعملون بلا حماية، بلا ضمان، وبلا صوت.
أكثر من 1.57 مليار إنسان حول العالم يعملون بشكل مستقل، وأن قيمة سوق العمل الحر تجاوزت 582 مليار دولار عام 2025.لكن وراء هذه الأرقام المتألقة، يكمن واقع نفسي واقتصادي مقلق.فخلف شعار"المرونة والاستقلالية"، يعيش المستقلون تحت ضغط مستمر من الخوارزميات الرقمية التي تتحكم بفرص العمل وترتيب الحسابات، وتفرض منطق التواجد الدائم Always Available.ومع غياب أي عقود أو حماية قانونية، يتحول العامل المستقل إلى موظف بلا حقوق، يعمل أكثر مقابل دخل غير مستقر.
وتكشف الدراسة أبعاد"الاستغلال الناعم":فلا أجبار مباشر ولا رؤساء عمل صارمين، بل ضغط نفسي غير معلن يدفع المستقل للعمل بلا توقف خوفًا من فقدان العملاء أو انخفاض تقييماته.أكثر من 80%من العاملين في الاقتصاد الحر لا يحصلون على أي دعم نفسي أو مهني، وواحد من كل خمسة مرّ بحالة اكتئاب مرتبطة بالعمل المستقل.ورغم أن المنصات تصفهم بالشركاء، إلا أنها تقتطع ما يصل إلى 20%من دخلهم كعمولات، وتتحكم بحساباتهم بشكل أحادي قد يصل إلى إغلاقها دون تفسير.
أما في العالم العربي، فقد تضاعف عدد العاملين عبر المنصات الرقمية خلال الأعوام الأخيرة، خصوصًا في مصر والمغرب والأردن ودول الخليج، مدفوعين بضعف فرص العمل المحلية ورغبتهم في كسب المال بـ"العملة الصعبة".لكن هذا النجاح الظاهري أخفى تحديات خطرة مثل التقلب الحاد في الدخل، المنافسة العالمية القاسية، وظهور ما يسمى"البطالة المقنّعة على الإنترنت"—عمل كثير بلا عائد كافٍ ولا مستقبل مهني واضح.
الخلاصة
نعم، نحن نعيش شكلاً من الاستغلال الناعم—ليس لأنه يفرض علينا القمع، بل لأنه يجعلنا نقبله طواعية تحت شعار الحرية الرقمية.ومع ذلك، لا يعني هذا أن مستقبل العمل الرقمي مظلم بالكامل، لكنه يحتاج تنظيمًا عادلًا يحمي الإنسان قبل المنصّة، ويصون قيمة العمل قبل هوامش الربح.
للاطّلاع على الفيديو وقراءة الورقة التحليلية الكاملة، يُرجى التمرير إلى الأسفل.
اقتصاد المنصّات والعمل الحر عبر الانترنت: هل نعيش "استغلالًا ناعمًا"؟
في اقتصاد المنصّات… الحرية ليست مجانية، ثمنها صحتك ووقتك وأمانك.

التعليقات