منذ عام 2023، تحوّل الذكاء الاصطناعي من فكرة تقنية إلى حمّى عالمية اجتاحت الإعلام والأسواق.بدا وكأنه "ذهب القرن الحادي والعشرين" الذي تسعى إليه الشركات والمستثمرون والدول.لكن وراء هذا البريق تختبئ فقاعة اقتصادية ونفسية تشبه ما حدث في أزمة“فقاعة الإنترنت”قبل عشرين عامًا—مزيج من الخوف والطمع والوعود المبالغ بها.
خلال عامين فقط، تضخّمت تقييمات شركات مثل OpenAI من 7 إلى أكثر من 500 مليار دولار، وقفزت قيمة NVIDIA لتصبح أول شركة رقاقات في التاريخ تتجاوز تريليون دولار.ومع ذلك، لا تعكس هذه القفزات أرباحًا حقيقية بقدر ما تعكس إيمانًا جماعيًا بالوهم التقني.
في عالم المال، يسمّيه الخبراء“اقتصاد القلق”.إذ تجاوزت الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي التوليدي 120 مليار دولار في عام 2025، أي ضعف ما كانت عليه في 2023.والشركات التي تضيف إلى وصفها عبارة“مدعوم بالذكاء الاصطناعي”ترتفع قيمتها فورًا، حتى وإن لم تقدّم منتجًا فعليًا.
لكنّ الذكاء الاصطناعي تحوّل أيضًا إلى فقاعة مصطلحات؛ فالإعلام يتحدث عن“الذكاء الواعي”و“الآلة التي تفكر”، رغم أن التطور العلمي ما زال محدودًا.وحتى الإصدارات الحديثة مثل GPT-5 لم تُحدث اختراقًا حقيقيًا، بل غذّت التسويق أكثر مما غذّت الواقع.
ورغم ضجيج السوق، فإن الأرباح الحقيقية تذهب لقلة قليلة من عمالقة التقنية.فشركات مثل Microsoft، Amazon، وGoogle تسيطر على 68٪ من البنية السحابية العالمية، فيما تستحوذ NVIDIA وحدها على أكثر من 90٪ من سوق معالجات الذكاء الاصطناعي.هؤلاء لا يبيعون الابتكار، بل يبيعون أدواته.
التمويل في هذا القطاع بدأ يأخذ طابعًا دائريًا؛ فالشركات الكبرى تموّل مشاريع تستخدم خدماتها الخاصة، فيبدو النمو“ورقيًا”أكثر منه حقيقيًا.على سبيل المثال، تموّل“مايكروسوفت”شركات تعتمد على Azure، مما يضخّم أرقام الإيرادات ظاهريًا فقط—فقاعة تموّل نفسها بنفسها.
ومع أن الأرقام تلمع، إلا أن معظم الشركات الذكية لا تحقق أرباحًا تُذكر؛ فـOpenAI تنفق أكثر مما تكسب.ومعظم التقييمات تُبنى على الإيمان بالابتكار لا على الواقع المالي.لهذا حذر صندوق النقد الدولي من أن هذه الطفرة تذكّر بفقاعة الإنترنت، وقد تتفجر قريبًا مع أول اهتزاز في ثقة المستثمرين.
بحلول أواخر 2025 بدأت المؤشرات تلوح في الأفق؛ فقد انخفضت تحميلات تطبيقات مثل ChatGPT بنسبة 8٪، وبدأ المستثمرون يسحبون أموالهم تدريجيًا.حتى بنك إنجلترا أشار إلى“احتمال تصحيح حاد في الأسواق بسبب فقاعة الذكاء الاصطناعي”.
لكن حتى لو انفجرت الفقاعة، فلن تنتهي القصة هنا.فالبقاء سيكون لمن يمتلك أصولًا حقيقية—شركات تبني رقاقات أو بنى تحتية رقمية أو حلولًا عملية.أما المشاريع التي تعيش على الحلم فستتلاشى كما تلاشت مئات الشركات بعد عام 2000.
انفجار الفقاعة لن يُنهي الذكاء الاصطناعي، بل سيعيده إلى حجمه الطبيعي:أداة مفيدة لا أسطورة.فتمامًا كما خرجت“جوجل”و“أمازون”من رماد فقاعة الإنترنت، ستخرج من غبار هذه الموجة شركات جديدة أكثر نضجًا وواقعية.
وهكذا، فإن فقاعة الذكاء الاصطناعي ليست وهماً كاملًا ولا ثورة مطلقة، بل هي مرحلة ضرورية في تطور التقنية—فوضى قصيرة تمهّد لوعيٍ أطول.المستقبل سيبقى للذكاء…لكن للذكاء المتزن، لا المهووس بالمجد السريع.
للاطّلاع على الفيديو وقراءة الورقة التحليلية الكاملة، يُرجى التمرير إلى الأسفل.
فقاعة الذكاء الاصطناعي: حين يتحوّل الذكاء إلى استثمار على وشك الانفجار
الذكاء الحقيقي ليس في الخوارزميات، بل في قدرتنا على تمييز الوهم من الثورة.

التعليقات