يشهد العالم منذ سنوات موجة غير مسبوقة من التحوّل:الغرب الذي قاد النظام الدولي لثلاثة عقود لم يعد بالقوة نفسها، والقوى الصاعدة–مثل الصين والهند والبرازيل وتركيا والسعودية–لم تعد تقبل دور“التابع”.ومع دخول 2025، تبدو الساحة الدولية وكأنها تقف على حافة مفترق تاريخي:هل نعيش بداية انهيار النظام الليبرالي؟ أم أننا في لحظة إعادة صياغة عالم متعدد الأقطاب؟
تبدأ الدراسة بالإشارة إلى أنّ الناتج العالمي تغيّر جذرياً:فبعد أن كانت الاقتصادات النامية تمثل 25%فقط من الاقتصاد العالمي عام 2000، أصبحت تقترب من 45%بحلول منتصف 2020.أما تكتل بريكس+بعد توسّعه فأصبح يضم دولاً تمثل 40%من الناتج العالمي، متقدماً على مجموعة السبع الغربية.هذا التحول وحده كافٍ ليفسّر لماذا بات الغرب عاجزاً عن التحكم بالنظام الدولي كما فعل سابقاً.
لكن الأمر لا يتوقف هنا:الهند تقود“صوت الجنوب العالمي”، الصين توسّع“الحزام والطريق”لتشمل أكثر من 140 دولة، وبريكس تنشئ أنظمة دفع جديدة وتزيد التعامل بالعملات المحلية.حتى مستويات التجارة بين دول الجنوب تضاعفت عشر مرات منذ التسعينيات، وأصبحت تمثل ثلث التجارة العالمية.
في المقابل، تُظهر أوروبا مثالاً صارخاً على القارة التي وجدت نفسها فجأة أمام اختبار وجودي.فحرب أوكرانيا أعادت تعريف أمنها، ودفعتها إلى رفع إنفاقها الدفاعي إلى أرقام غير مسبوقة:بلغ مجموع إنفاقها الدفاعي نحو 326 مليار يورو في 2024، فيما قفزت دول مثل بولندا إلى 4%من ناتجها المحلي وهي أعلى نسبة في“الناتو”.لكن أوروبا لا تزال منقسمة بين“صقور الشرق”و”حمائم الغرب”، وهذا الانقسام سيحدد مستقبل دورها الدولي.
في الوقت ذاته، تعاني المؤسسات الدولية القديمة من تآكل غير مسبوق في الشرعية:مجلس الأمن مشلول بالفيتو، الأمم المتحدة ممولة بأقل من 38%من احتياجاتها الإنسانية لعام 2023، وصندوق النقد لا يزال متّهما بفرض شروط مُنهِكة.أما منظمة التجارة العالمية فتعيش شللاً منذ عام 2019.نتيجة هذا الوضع، باتت الدول تبحث عن بدائل خارج النظام التقليدي.
ثم تأتي التكنولوجيا لتفجّر ديناميكيات جديدة بالكامل.فشركات التكنولوجيا الكبرى–من“ميتا”إلى“غوغل”و“ستارلينك”–أصبحت تمتلك تأثيراً يتجاوز نفوذ حكومات كاملة.حملات سيبرانية يومية، أقمار صناعية تغيّر مجريات الحروب، وسباق ذكاء اصطناعي لا توجد له قواعد واضحة…إنها ساحة دولية جديدة تتداخل فيها القوة الخاصة مع السيادة العامة، وتعيد رسم قواعد النفوذ والسلطة.
بعد هذا الاستعراض، تقدم الدراسة ثلاثة سيناريوهات لمستقبل النظام الدولي:
سيناريو التفكك:العالم ينزلق إلى فوضى تشبه ثلاثينيات القرن الماضي، مؤسسات عاجزة، وحروب تجارية وصراعات بلا رادع.
سيناريو إعادة التشكيل:نظام متعدد الأقطاب منظم، يتم فيه إصلاح مجلس الأمن وتوسيع مجموعة العشرين، مع تفاهمات كبرى بين أمريكا والصين.
سيناريو الهجين(الأكثر ترجيحاً):لا انهيار ولا إصلاح شامل، بل عالم رمادي يجمع بين نظام قديم يتآكل وبنى جديدة تتشكل بالتوازي…عالم من“التعاون الانتقائي”والتنافس المضبوط.
وتنتهي الدراسة إلى أنّ العالم اليوم يشهد أفولاً منظماً للهيمنة الغربية، لكنه لا يدخل بالضرورة في فوضى.نحن في زمن انتقال، نظام قديم يترنح، ونظام جديد يُبنى قطرة قطرة، عبر تحالفات جديدة، وقوى صاعدة، وتكنولوجيات قلبت قواعد اللعبة.
المستقبل لم يُكتب بعد، لكنه سيتوقف على قدرة القوى الكبرى–الغربية والصاعدة–على تجنب عقلية“الصفر الجمعي”وبناء قواعد مشتركة تضمن الأمن والازدهار للجميع.
للاطّلاع على الفيديو وقراءة الورقة التحليلية الكاملة، يُرجى التمرير إلى الأسفل.
النظام الدولي بعد 2025: هل نشهد تفكك النظام الليبرالي أم إعادة تشكيله؟
في عالم يتغيّر بسرعة الضوء، لا شيء يبقى ثابتاً… سوى حقيقة أن من لا يتكيّف، سيجرفه التيار.

التعليقات