يشهد الشرق الأوسط سباقًا متسارعًا نحو“الذكاء الاصطناعي الوطني”، لكن خلف الشعارات الطموحة تكمن فجوة بين الحلم والواقع.فبينما تطمح الحكومات لبناء اقتصادات رقمية قادرة على المنافسة، تكشف الأرقام أن المنطقة لا تزال تعتمد بشدة على التكنولوجيا الأجنبية، وتفتقر إلى الأسس العلمية والبحثية الضرورية للاستقلال التقني
في التعليم، لا يتجاوز عدد المتخصصين في الذكاء الاصطناعي في السعودية 5000، وفي الإمارات 7000، مقابل أكثر من 40 ألفًا في ألمانيا.ومع ذلك، تبقى الجهود التدريبية المحلية محدودة وتعتمد على شراكات خارجية مثل اتفاق مصر مع شركة IBM لتأهيل 100 ألف شاب خلال خمس سنوات.المشكلة ليست في غياب الكفاءات، بل في تسربها إلى الخارج، وغياب بيئة بحثية تحتضنها.
أما في التمويل، فالصورة لا تقل صعوبة:الإنفاق على البحث والتطوير لا يتجاوز 0.7%من الناتج المحلي العربي مقابل 2.6%عالميًا.معظم الأموال تتجه إلى مؤتمرات ومشروعات تجارية قصيرة الأجل بدل تمويل مختبرات الأبحاث.النتيجة:استيراد حلول جاهزة بدل ابتكار خوارزميات عربية.
وتبرز التبعية التقنية أيضًا في اللغة:رغم وجود 400 مليون متحدث بالعربية، إلا أن دقة إجابات الأنظمة العالمية مثل ChatGPT بالعربية لا تتجاوز 42%مقارنة بـ71%بالإنجليزية.هذا ما دفع دولًا مثل الإمارات والسعودية لتطوير نماذج محلية مثل“جيس”و**“علّام”**لتعزيز الفهم الثقافي العربي، لكنها لا تزال في بداياتها.
المفارقة الكبرى أن المنطقة تملك“نفط البيانات”لكنها لم تنجح في تكريره.فمعظم البيانات الحكومية مغلقة أو يصعب الوصول إليها، رغم تحسن ترتيب السعودية إلى المركز التاسع في مجموعة العشرين ضمن مؤشر البيانات المفتوحة.بدون بنية تنظيمية واضحة لتبادل البيانات بأمان، سيبقى الابتكار رهينًا للعوائق البيروقراطية.
اقتصاديًا، لا تزال البنية الريعية تهيمن؛ إذ تشكل الطاقة 32%من الناتج الخليجي، بينما لا تتجاوز مساهمة التقنية 10%.أغلب مشاريع الذكاء الاصطناعي تركز على الاستهلاك لا الإنتاج، وتحقق المنطقة أقل من 2%من مكاسب الذكاء الاصطناعي العالمية المتوقعة بحلول 2030.
تشريعيًا، تتأخر القوانين عن التكنولوجيا؛ فحتى 2025، لم تعتمد معظم الدول العربية تشريعات ملزمة تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي، واكتفت بمبادئ استرشادية.أما قانون“الذكاء الاصطناعي العربي النموذجي”فلا يزال في طور المشاورات.
أما التحدي الأكبر فهو الجيوسياسي:من يملك الخوادم يملك القرار.بين النفوذ الأمريكي والصيني، تسعى دول المنطقة للموازنة عبر شراكات مزدوجة—مثل تعاون الإمارات مع OpenAI وهواوي معًا—لكنها تظل عالقة في سباق الكبار على البيانات والسيادة الرقمية.
ورغم هذه التحديات، لا يغيب الأمل.فالمبادرات العربية الجديدة نحو“ذكاء اصطناعي سيادي”تُبشّر ببداية تحول.إذا ما اجتمعت البنية التحتية المفتوحة، والتعليم التطبيقي، والتشريعات الرشيدة، يمكن للمنطقة أن تنتقل من استيراد الخوارزميات إلى صناعتها.
📖 للاطّلاع على الفيديو وقراءة الورقة التحليلية الكاملة، يُرجى التمرير إلى الأسفل.

التعليقات