حين يصبح العمل نادرًا: استشراف عالم بلا وظائف تقليدية
العالم اليوم يقف على أعتاب تحوّل تاريخي تقوده الأتمتة والذكاء الاصطناعي. إذا كان القرن العشرون قد صاغ هوية الإنسان حول "الوظيفة" كمصدر دخل ومكانة اجتماعية، فإن القرن الحادي والعشرين يهدد هذا المفهوم من جذوره.
من الثورة الصناعية إلى ثورة الخوارزميات
تاريخيًا، كل ثورة صناعية جلبت اضطرابًا لكنها أيضًا خلقت وظائف جديدة. إلا أن ما يميز الثورة الحالية أن الآلات والخوارزميات لا تحل محل بعض الوظائف فحسب، بل تهدد بتحويل العمل إلى مورد نادر. تقارير ماكينزي تشير إلى أن ما بين 400–800 مليون وظيفة قد تختفي عالميًا بحلول 2030، أي ما يعادل خُمس قوة العمل في العالم.
تحولات السوق والعمل الجديد
المهام الروتينية، سواء في المصانع أو المكاتب، تواجه أكبر تهديد. في الولايات المتحدة وحدها، أكثر من 3.5 مليون سائق شاحنة قد يتأثرون بالقيادة الذاتية. لكن الصورة ليست قاتمة بالكامل؛ إذ يتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي أن يولّد التحول الرقمي نحو 78 مليون وظيفة جديدة بحلول 2025، في مجالات مثل تحليل البيانات وأمن المعلومات والتسويق الرقمي.
البعد الاجتماعي
فقدان الوظائف لا يعني فقط خسارة دخل، بل تهديد النسيج الاجتماعي ذاته. الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة تقلّصت من 61% عام 1971 إلى 50% عام 2021، وهو انحسار ربطه الباحثون بالأتمتة واتساع الفجوة بين أصحاب رأس المال والعمال. كما يبرز خطر "الفجوة الرقمية" بين من يمتلكون مهارات تقنية ومن يفتقرون إليها، مما قد يخلق طبقة مهمّشة بالكامل.
البعد الاقتصادي
التحدي الأكبر هو "المفارقة الإنتاجية": الإنتاجية العالمية قد ترتفع بما قيمته 15.7 تريليون دولار بحلول 2030 بفضل الذكاء الاصطناعي، لكن هذه الثروة قد تتركز لدى القلة المالكة للتكنولوجيا. من هنا يطرح البعض حلولًا مثل "ضريبة الروبوتات" أو "الدخل الأساسي الشامل" كوسيلة لضمان توزيع عادل للفوائد.
السيناريوهات المستقبلية
الورقة ترسم ثلاثة مسارات محتملة:
سيناريو متفائل: التكنولوجيا تخلق وظائف إبداعية جديدة وتقلص ساعات العمل.
سيناريو متشائم: بطالة جماعية وظهور "طبقة عديمة الفائدة".
سيناريو توفيقي: إعادة تعريف العمل بحيث يشمل أنشطة غير مأجورة كالرعاية والإبداع، مع دعم مالي يضمن حياة كريمة.
🔑 الخلاصة:
نحن لا نواجه مجرد أزمة وظائف، بل لحظة لإعادة صياغة "العقد الاجتماعي" بين الإنسان والعمل. المستقبل قد يكون عالمًا بلا وظائف تقليدية، لكنه ليس بالضرورة عالمًا بلا معنى.
هل تصدق أن 800 مليون وظيفة قد تختفي بحلول 2030 بسبب الذكاء الاصطناعي؟
حين تعمل الآلة بلا توقف… يصبح على الإنسان أن يعيد تعريف نفسه.

التعليقات