ارهاق بلا سبب واضح: كيف يصنع القلق المنخفض الشدة تعبا جسديا مزمنا؟

التعب المزمن قد لا يكون مرضًا، بل نتيجة قلق منخفض الشدة يُبقي الجسد في يقظة مستمرة تمنع التعافي الحقيقي.

ارهاق بلا سبب واضح: كيف يصنع القلق المنخفض الشدة تعبا جسديا مزمنا؟

يشتكي كثيرون من تعب متواصل بلا سبب واضح:فحوصات سليمة، نوم مقبول ظاهريا، ومع ذلك يبقى الجسد ثقيلا، والتركيز ضعيفا، والصداع او شد العضلات يتكرر.في حالات كثيرة لا يكون السبب مرضا حادا، بل نوعا من القلق المنخفض الشدة:توتر صغير لكنه دائم، يتغذى من رسائل لا تنتهي، ترقب رد، قرارات يومية صغيرة، ومخاوف متفرقة لا تصل الى نوبة هلع، لكنها لا تختفي.هذا القلق ليس دراما نفسية كبيرة، بل خلفية داخلية تستهلك الطاقة ببطء، حتى يتحول الاستنزاف الى حالة جسدية مزمنة.

المفتاح الاول لفهم هذه الظاهرة هو فكرة الاجهاد التراكمي.عندما يعيش الانسان في حالة يقظة خفيفة طوال اليوم، يبقى الجهاز العصبي في وضع استعداد:انتباه مفرط، استجابة سريعة للمنبهات، وميل للقلق من المستقبل القريب.قد لا يشعر الشخص انه متوتر، لكنه يراقب هاتفه كل دقائق، يعيد التفكير في جملة قالها، ويؤجل الراحة لان هناك شيئا يجب ان ينتهي.هذا الوضع يحافظ على مستوى مرتفع نسبيا من هرمونات الاجهاد لفترات طويلة، ويجعل الجسد يعمل كانه في سباق بطيء لا يتوقف.مع الوقت تظهر الاعراض:ارهاق صباحي، تذبذب في الشهية، اضطراب في الهضم، شد في الرقبة والفك، ونفاد سريع للطاقة الذهنية.

المفتاح الثاني هو ان القلق المنخفض الشدة يضرب النوم من دون ان يلغيه.قد ينام الشخص 7 ساعات، لكنه لا يحصل على نوم عميق كاف، لان الدماغ يبقى في حالة مراقبة حتى اثناء النوم:يستيقظ لثوانٍ لا يتذكرها، او يدخل نوما سطحيا متقطعا، او يرى احلاما مزعجة.النتيجة ان النوم يصبح زمنا للانطفاء وليس للاستشفاء، فيستيقظ الجسد وكانه لم ياخذ حصته من التعافي.هنا يتشكل حلقة:التعب يزيد الحساسية للقلق، والقلق يزيد هشاشة النوم، فتتراكم الدائرة يوما بعد يوم.

المفتاح الثالث هو استنزاف القرارات.كل قرار صغير اكتب الرسالة ولا لا؟ ارد الان ولا لاحقا؟ ابدا بالمهمة ولا اجل؟ يستهلك جزءا من الطاقة التنفيذية في الدماغ.ومع كثرة القرارات الصغيرة المتلاحقة، يقل مخزون التنظيم الذاتي، فيظهر التعب كانه جسدي بينما جذره اداري عصبي:الدماغ متعب من ادارة يوم لا ينتهي، لا من جهد عضلي كبير.لذلك قد يشعر الشخص انه متعب من لا شيء، بينما هو في الواقع متعب من تشتت مستمر ومن ضغط ذهني منخفض لكنه دائم.

ولكي لا يبقى الامر شعورا عاما، يمكن استخدام مغناطيس الزيارة:مقياس 7 ايام بسيط يكشف مصدر الاستنزاف.الفكرة ان تسجل كل يوم في ثلاث خانات فقط، من 0 الى 10:1 الطاقة:كم لديك من نشاط؟ 2 النوم:جودة النوم وليس عدد الساعات فقط.3 التوتر:مدى حضور القلق في الخلفية.ثم اكتب سطرا واحدا:اكثر شيء استنزفني اليوم؟ مثل:انتظار رد، كثرة تنبيهات، مهمة مؤجلة، نقاش متوتر، او قرار عالق.بعد سبعة ايام ستظهر انماط واضحة:ربما يهبط معدل الطاقة في ايام كثرة الرسائل، او يرتفع التوتر قبل الاجتماعات، او تسوء جودة النوم في الليالي التي يطول فيها التمرير على الهاتف.هذه الخرائط الصغيرة تساعدك على نقل المشكلة من تعب غامض الى محفزات محددة يمكن التعامل معها.

الخلاصة ان القلق المنخفض الشدة يصنع تعبا مزمنا عبر تراكم اليقظة العصبية، اضعاف جودة النوم، واستنزاف القرارات اليومية.ليس المطلوب ان تلغي القلق تماما، بل ان تراه وهو يعمل في الخلفية، وتقيسه، ثم تقلل مصادره الصغيرة المتكررة.غالبا، علاج التعب يبدا من التفاصيل لا من الفحوصات:من حدود للهاتف، ومن قرارات اقل، ومن راحة حقيقية لا تتطلب اذنا من احد.